الجرائد احترقت والأقلام انكسرت
حسناء زوان :
لم تعد تفاجئنا السقطات المتتالية لنسبة المبيعات الصحف الورقية في كل سنة والمقدرة برقم لا يتجاوز مائتي ألف نسخة يوميا تهم الجرائد والمجلات كذلك، بل وحتى إغلاق كبريات الجرائد لم يعد يشكل صدمة سواء في المغرب أو في غير ه من الدول ، حيث الحريق يأتي على الصحف الورقية أينما وجدت بغض النظر عن المبيعات ونسبة القراءة التي انحدرت إلى ما دون العتبة لتصبح الجرائد تتنفس الصعداء تعيش على ما يجود به قراءها الأوفياء الذين هم من عينة خاصة ، السياسيين وكذا الأساتذة والطلبة وذلك لأن غالبية الجرائد ما تزال مساحة لهم للممارسة هوايتهم في الملاكمة السياسية عبر تسريب ملفات للإطاحة بالخصم السياسي وتمرير الرسائل لتصبح العديد من الجرائد الورقية ساحة للتراشق وتسجيل الأهداف السياسية لطرف على حساب آخر. وما عدا ذلك فلم تعد اليوميات الورقية خاصة تمارس دورها الإعلامي الأول وهو، الإخبار، ناهيك عن عجزها عن مواكبة وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي أصبحت ناقلا سريعا للأخبار والأحداث عبر تقنية الفيديوهات والمباشر.
وسأخص حديثي هنا عن الجرائد المغربية التي أغلقت الباب أمام العديد من أقلامها المتميزة التي كانت تماس دورها في زمن غير بعيد في تأطير الجمهور وتوعيته وذلك لصالح الصحافة الالكترونية التي ما تزال وليدا حديثا وتفتقد للكثير من وسائل العمل ولم تستطع بفعل محدودية مواردها أن تستقطب صحافيين من ذوي التجارب المتراكمة لصالح صحافيين شباب بدورهم في بداية المشوار ويحتاجون للكثير من الوقت لاكتساب التجارب المهنية وضبط القواعد وأخلاقيات المهنة.
في كثير من الأحيان يعزي المحللون في تعليقهم على السقوط المتتالي الذي تعيشه الصحف الورقية والمقدر ب نسبة 24% عام 2014 مقارنة مع عام 2008. إلى تدني مستوى القراءة وكذا ارتفاع تكلفة الورق على المستوى العالمي ، بينما أجده انه مرتبط بعدم قدرة الجرائد على مسايرة تطلعات الجيل الحالي ولم تستجيب لحاجاته ولم تستطع مواكبة أسلوب تفكيره لتظل منحصرة أسلوبا ومحتوى في كل ماهو يهم أجيال تربت منذ صغرها على قراءة الجريدة ، بخلاف جيل اليوم الذي يجد في وسائل التواصل الاجتماعي وكذا المواقع حاجة مجانية، تغنيه عن اقتناء جريدة ورقية بمقابل مادي، يجده بنظره لا تستحق حيث المستوى لا يستجيب لتطلعاته ولا يخاطبه بنفس خطابه، إما أنه يجده أكاديميا أو أمنيا أو مليئا بلغة خشبية لم تعد تنطلي على قارئ اليوم، هذا الأخير الذي يميل إلى الكلمة المباشرة ، ابنة بيئته ، قريبة منه وليست مستعلية عنه أو لا تمثله وتمثل همومه وانشغالاته اليومية.
كما هو حال الجرائد اليوم التي تنحني وتاريخها للمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من دون أدنى مقاومة اللهم إحصاء ضحاياها الذين هم أقلام الصحافيين التي تنكسر يوما بعد آخر وهي عاجزة عن تعزية حامليها في مصابهم، أمام حرقتهم لحريق زمنهم واحتراق جرائدهم الورقية التي سيدفنون وأقلامهم تحت رماد صفحاتها.
* صحافية بجريدة المساء ( المغرب)