تراجع الابداع الإعلامى

تراجع الابداع الإعلامى

هشام الهلالي:

في كثير من الأحيان يعود الإعلامي بذاكرته إلى الوراء مستلهما من تجاربه الشخصية فى مهنته في سالف الأيام وإبداعاته الصحفية ما يعينه على الاستمرار في أزمنة التراجع الإعلامي البغيضة ، ففي حين انتشرت الفضائيات ومواقع الانترنت والإعلام الشعبي أو فيما يسمى إعلام المواطن، إلا أنه لم يعد هناك ما يسمى السبق الصحفي أوالخبطة الإعلامية كما كان يحدث من قبل برغم قلة الإمكانات المتاحة آنذاك، مقارنة فيما هو متاح الآن وبدون عناء بين أصابع وأنامل الجميع. 

ولكن يبقى هناك سؤال هام وضروري هل أفادت السماوات المفتوحة أو فيما يعرف بالفضائيات ومواقع التواصل المجتمعى مجتمعاتها وقادتها نحو ما هو أفضل؟ أم أن هناك تراجع واضح فى كثير من الأمور القيمية والمجتمعية؟ بطبيعة الحال ليس مجالنا الآن أن نناقش أسباب التراجع القيمى والمجتمعي، بقدر ما أننا نريد أن نناقش هل أفادت السماوات المفتوحة والإعلام اللحظي مهنة الصحافة والإعلام فيما يخص تواصل الابداع وزيادة المهنية والحرفية الإعلامية والصحفية؟، وإذا كانت الإجابة بلا، فلماذا تراجعت الإبداعات الصحفية الإعلامية في الوقت الحالي أو ندرت، في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة التى تمطرها علينا الفضائيات ومواقع التواصل المجتمعى كل دقيقة والتى من المفروض ان تكون عامل مساعد هام ورئيسى يساعد الصحفى والاعلامى فى اظهار وابراز المزيد من الإبداعات المهنية.

أما إذا كانت الإجابة بنعم، فأين هي الإبداعات المهنية الصحفية والإعلامية البارزة في السنوات العشر الأخيرة في مجال الصحافة والإعلام في عالمنا العربي؟ بالتأكيد توجد إبداعات مهنية وحرفية صحفية وإعلامية ولكن مع انتشار الفضائيات ومواقع التواصل المجتمعي، والاهتمام بملأ الفراغات والساعات بأي محتوى، دون النظر إلى الجودة المهنية في أحيان كثيرة، جعل من الأعمال الجيدة والمتميزة نادرة التواجد، وإذا تم العثور عليها فتجد الجميع يبحث عنها ويذهب إليها عبر أزرار الريسيفر أو وسائل التواصل الخلوية والالكترونية، إذن نحن أمام إشكالية كبيرة وأصبحت ربما ظاهرة فى عدد كبير من الفضائيات والمواقع الالكترونية والجرائد المرئية، وهى ندرة الأعمال المهنية والاحترافية فى الإعلام بشكل عام فيما كان يطلق عليه سبق صحفي أو خبطة إعلامية.

أما عن أسباب الظاهرة فهى متعددة وكثيرة، أولها أن مهنة الصحافة والإعلام يدخلها ويلجها من لامهنة له فى بعض الأحيان، إلى جانب أنه فى ظل غياب المعايير والضوابط المؤسسة والمنظمة من جهة لفتح وتأسيس قناة فضائية، أو الحصول على ترخيص لجريدة أو موقع إلكتروني، فضلا عن غياب أو عدم وجود المعايير والضوابط لمن يعملون فى هذه الفضائيات والصحف الورقية أو الالكترونية فى بعض الأحيان، كل هذه الأمور ستؤدى بالتأكيد إلى سلسلة طويلة من التراجعات اللانهائية ستؤدى بنا فى النهاية إلى ما نحن فيه وربما أكثر من ذلك، فإذا غابت الضوابط فى بادئ الأمر سيصل بنا الأمر إلى ما نحن فيه، وإذا استمر الأمر على هذا النحو فالنتيجة ستكون مزيد من التراجع على كل المستويات والأصعدة، وبخاصة فيما يخص الإبداعات والخبطات الإعلامية والسبق الصحفي، وربما يصل بنا الأمر إلى ندرة فى الإبداعات الصحفية والإعلامية فى عالمنا العربي.

لذلك فالبداية والعلاج لابد أن تكون فى وضع الضوابط والمعايير الواضحة لتأسيس القنوات الفضائية والصحف الورقية والالكترونية، ضوابط تساعد على الارتقاء بالمهنية والحرفية الإعلامية، وتساعد على إنشاء كيانات تسهم فى الارتقاء بمهنة الإعلام والارتقاء بالمحتوى والمضمون، وبالتالى تساعد فى الارتقاء بالمواطن العربى، ومما يساعد أيضا فى هذا الأمر ضرورة اختيار المهنيين والمحترفين فى مجال الإعلام لإدارة والعمل فى هذه الكيانات الإعلامية والصحفية، والتشديد على أخلاقيات مهنة الإعلام وأولها أن مهنة الإعلام والصحافة هى ضمير الأمة العربية فى مواجهة التحديات المحيطة بنا من كل جانب، لذلك إذا بدأنا فى وضع الضوابط السالفة الذكر فربما تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، وربما تعود الخبطات الصحفية والإعلامية كما كانت من قبل، وربما تساعد المهنية والحرفية الإعلامية فى زيادة الوعي العربي، وربما أيضا الاهتمام بهذه الأمور يساعد فى الارتقاء بقيمنا المجتمعية العربية الأصيلة، فإذا كانت الإعلام فى أيد أمينة ويديره محترفون بعيد عن الأهواء، فلابد أن يساهم بكل تأكيد فى زيادة الوعي المجتمعي والقيمى للمجتمعات العربية، وهى أحد أهم وظائف الإعلام، وربما في هذا المناخ تعود الخبطات الإعلامية والسبق الصحفي من جديد، وربما تعود أمور أخرى أصبحنا نفتقدها فى مجتمعاتنا العربية.

*كاتب وصحافي مصري

تم عمل هذا الموقع بواسطة